/ الفَائِدَةُ : ( 47 ) /

15/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / تملُّص الفلاسفة عن شعارهم الأَوَّل / / الوحي ترشيد للسِّيْرِ والفكر إِلى خطىٰ غير متناهية في التَّكامل / هناك إِشكال جذريٌّ وأَساسيٌّ يُسَجَّل علىٰ الفلاسفة وَمَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم؛ فإِنَّ ما يرفعونه من شعارٍ هم أَوَّل مَنْ يتملَّص منه منهجيّاً، فإِنَّهم اِدِّعُوا في حَقِّ بيانات الوحي والميزان والمنهج الوحياني أَو التعبُّد الوحياني أَو التَّوقيتيَّة أَو التَّوقيفيَّة علىٰ قوالب بيانات الوحي: أَنَّها حبوسيَّة وتحجير وسلب لحريَّة الفكر ولحريَّة الإِنسان، وإِرهاب وترهيب. لكنَّه: توهم فاسد. والحقُّ: أَنَّ معناها: ترشيد للسَّيْرِ والفكر البشري إِلى خُطىٰ غير متناهية في التَّكامل ـ ومِنْ ثَمَّ مدحت بيانات الوحي العقل والتَّفَكُّر وطلب الْعِلْم، وذمَّت الجهل والشَّكّ والرِّيبة والتَّردُّد؛ لكونها تُوْقِف حركة الفكر وسَيْرَه ـ ، وعاصمة مَنْ يتمسَّك بها من الإِفراط والتَّفريط ، وتبحر به في بحور عوالم المعاني والحقائق غير المتناهية أَبَد الآباد وَدَهَر الدُّهُور، وتعطيه قوالب وبراهين ولغات وأَنظمة ونظم وموازين وحيانيَّة وعقليَّة؛ أَعظم من دون قياس مِـمَّا يُعطيه الجهد البشري المحدود والمتناهي بمحدوديَّة وتناهي قوىٰ البشر وإِمكانيَّاته. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الباقر عليه السلام المُوجَّه لطالبين الْعِلْم من غير أَهل البيت عليهم السلام: «يمصون الثماد ويدعون النَّهر العظيم، قيل له: وما النَّهر العظيم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه واله والْعِلْم الَّذي آتاه الله، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله سنن النَّبِيِّين من آدم هلمَّ جرّاً إِلى محمَّدٍ صلى الله عليه واله. قيل له: وما تلك السُّنن؟ قال: عِلْم النَّبيِّين بأسره، إِنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله عِلْم النَّبِيِّين بأسره، وإِنَّ رسول الله صلى الله عليه واله صيَّر ذلك كلَّه عند أَمير المؤمنين عليه السلام. فقال له رَجُلٌ: يا بن رسول الله صلى الله عليه واله فأَمير المؤمنين عليه السلام أَعلم أَو بعض النَّبِيِّين؟ فقال أَبو جعفر عليه السلام: اسمعوا ما يقول!! إِنَّ الله يفتح مسامع مَنْ يشآء، إِنِّي حدثتُ: أَنَّ الله جمع لِـمُحمَّدٍ صلى الله عليه واله عِلْم النَّبِيِّين، وإِنَّه جعل ذلك كلّه عند أَمير المؤمنين، وهو يسألني هو أَعلم أَم بعض النَّبِيِّين؟!». (1). ودلالته واضحة. والمراد من الثمد: النَّدىٰ الَّذي يتكوَّن علىٰ الأَحجار. إِذَنْ: الفلاسفة ومَنْ جرىٰ علىٰ شاكلتهم وإِنْ كانوا يتشدَّقون بالتَّحرُّر عن الضِّيق والحبوسيَّة والتَّقليد والتَّسالميَّة، لكنَّها مُجرَّد شعارات تنظيريَّة، وإِلَّا فعِلْم الفلسفة بعدما قصره أَصحابه عملاً علىٰ نتاج العقل البشري كان محبوساً وضيِّقاً، ولم ينفتح علىٰ أُفق الوحي غير المتناهي، والمُتخطِّي لِسَعَة العقل البشري بما لا يتناهىٰ؛ والمُعطي موادّاً علميَّة وعقليَّة ومعرفيَّة للبشريَّة أَعظم وأَخطر من دون قياس مِـمَّا تُعطيه العلوم والمعارف البشريَّة فلسفيَّة كانت وعقليَّة أَم غيرهما. نعم، لضيق أُفق الباحث في علوم ومعارف بيانات الوحي يُؤَوِّل ويلوي أَعناق دلالاتها علىٰ وفق سَعَة أُفقه وفهمه وأُفق وفهم البشر. وبالجملة: الفلسفة ولغتها لغة عقليَّة بشريَّة، وهي محدودة، بخلاف بيانات الوحي المعرفيَّة؛ فإِنَّ لغتها عقليَّة وحيانيَّة وقلبيَّة وذوقيَّة وجدانيَّة وحيانيَّة غير متناهية أَبَد الآباد وَدَهر الدُّهُور. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1 ) بحار الأَنوار، 26: 166ـ 167/ ح21. بصائر الدرجات: 32ـ 33